296 مشاهدة
تراهن الحكومة الفرنسية على "هجوم" عاطفي ضد التضامن مع غزة حادثة معهد العلوم السياسية تؤكد الفجوة بين النقد والممارسة في السياسة الفرنسية بخصوص إسرائيل، وتبرز النقاش حول النزاهة السياسية والمبادئ الإنسانية.
شهدت الجمهورية الفرنسية تحركاً لافتاً من مؤسسات حقوق الإنسان ضد التجمع الأكاديمي الفرنسي في 12 آذار/مارس الحالي، الذي نظموا يوماً للتضامن الأكاديمي مع غزة، مع التأكيد على الضرورة الملحة لوقف العنف وتحقيق السلام.
وقد شهدت الجامعات الفرنسية والأوروبية العديد من التظاهرات الهادئة في هذا اليوم، ولكن الحادثة الوحيدة التي تم تسجيلها كانت في معهد العلوم السياسية في باريس 1، حيث حاولت طالبة من "اتحاد الطلاب اليهود في فرنسا" (UEJF) التقاط صور للمشاركين في الاحتجاج، مما دفع المنظمين لمنعها من ذلك خوفاً من تعريض هوياتهم للعلن، وهو سيناريو يتكرر في التظاهرات الداعمة للفلسطينيين منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وبعد نشر الصور، تعرض المشاركون لحملات تشهير من قبل مجموعات إسرائيلية نشطة على منصات التواصل الاجتماعي مثل "اللواء اليهودي"، والتي تستهدف النشطاء والصحافيين والمسؤولين المنتخبين والمحامين المدافعين عن حقوق الإنسان، وتنشر تفاصيلهم الشخصية لترويعهم وتهديدهم وتهديد أحبائهم.
وفي نفس السياق، توجه رئيس الوزراء غابرييل أتال، برفقة وزيرة التعليم العالي، إلى معهد العلوم السياسية بباريس، حيث دخل بشكل مثير للجدل دون إذن مسبق إلى اجتماع استثنائي لمجلس الإدارة، وانتقد المنظمين بشدة معتبراً أن "الفساد يبدأ دائمًا من الرأس"، قبل أن يتهمهم بمعاداة السامية.
وأثارت تصريحات رئيس الوزراء غضباً كبيراً في الأوساط الأكاديمية الفرنسية، حيث عبّر رئيس المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية عن "استنكاره" لهذا التدخل غير المقبول، معتبراً أن استخدام عبارة "ضيف غير متوقع" للإعلان عن وصول رئيس الوزراء كان غير لائق.
ومن جانبه، أشار البروفيسور جان فرانسوا بايار، باحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية، إلى أن التدخل السياسي في المجال الأكاديمي هو أمر غير مسبوق، وقد اعتبره تدخلاً فظيعًا وشنيعًا في الحرية الأكاديمية.
ولم يقتصر الهجوم الحكومي على رئيس الوزراء فقط، بل امتد إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي اعتبر تحرك الطلاب مع الطالبة الإسرائيلية "غير مقبول على الإطلاق".
وتقدمت الحكومة الفرنسية بتقرير إلى المدعي العام يطالب بالتحقيق في "التعليقات المعادية للسامية" الموجهة ضد الطلاب.
وفي الوقت نفسه، كرر أعضاء الحكومة ووسائل الإعلام الفرنسية الكبرى الاتهامات بمعاداة السامية، مع وصفهم للأكاديميين بأنهم "يروجون للكراهية ويمارسون العنصرية".
ولم يتوقف النقاش عند حدود الحكومة والأكاديميين، بل دخلت اليمين المتطرف أيضًا في الصراع، حيث انتشرت صورة ملفقة على وسائل التواصل الاجتماعي، مزعومًا أن مؤتمرًا صحفيًا يُعقد في معهد العلوم السياسية ينظمه "عملاء حماس الملثمون".
وفي المساء، حظرت الشرطة مسيرة للتضامن مع الفلسطينيين بحجة "تصاعد التوتر".
تثبت حادثة معهد العلوم السياسية مرة أخرى أن الانتقادات لسياسة إسرائيل ليست مقبولة بالنسبة للسلطة الفرنسية، وتكشف عن وجود تأثير لوبي صهيوني يمارس الضغط على القوى السياسية، مما يفتح الباب للنقاش حول طبيعة الديمقراطية في فرنسا ومدى تأثير القوى الداخلية والخارجية على سياستها.